اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
أخبار الآحاد
53966 مشاهدة
الفصل الثاني طرق معرفة أهلية الراوي

لما كانت أهلية الراوي شرطا في قبول خبره، توقف ذلك على البحث عن أحوال الرواة، والتأكد من صلاحيتهم؛ للأخذ عنهم وضد ذلك.
وكان هذا مما حمل علماء الحديث على نقد الرواة، والتنقيب عن أحوالهم وخفايا أمورهم ، والإفصاح بما فيهم من العيوب التي تسبب عدم الثقة بأخبارهم ، من باب النصيحة للأمة.
وهذا ما يعرف بعلم الجرح والتعديل .
ثم إن من الرواة من تعرف عدالته بالشهرة، واستفاضة فضله وعلمه بين الناس فلا يحتاج إلى البحث عنه، أو طلب التزكية له، كمالك والثوري وشعبة والأوزاعي والليث والزهري ونحوهم من جهابذة العلماء، فإن ما اشتهروا به من نشر السنة، والذب عنها، والاحتياط في قبولها أعظم من تزكية أهل الجرح والتعديل لبعض الرواة، مع ما يجوز على المزكي من المحاباة والأغراض الداعية إلى وصفه بغير ما يستحقه .
وقد سُئِلَ ابن معين عن أبي عبيد فقال : مثلي يُسأل عن أبي عبيد ؟ أبو عبيد يسأل عن الناس . أما من عداهم فيلزم التأكد من أهليتهم، وذلك بالرجوع إلى كلام أئمة هذا الفن.
والأصح أنه يكتفى في الجرح والتعديل بالواحد من الأئمة المعتبرين، حيث إن أصل الرواية يقبل فيها الواحد، فكذلك فرعها الذي هو أهلية الراوي أو عدمها.
والصحيح أن التعديل يقبل ولو لم يذكر سببه، لأن أسبابه كثيرة، بخلاف الجرح فلا يقبل إلا مُفسَّرا حيث أن الناس يختلفون في أسباب الرد، فقد يعتبر بعضهم ما ليس بجارح جارحا كما روي أن شعبة ترك حديث رجل لأنه رآه يركض على برذون . وقيل للحكم بن عتيبة لِمَ لم ترو عن زاذان ؟ قال : كان كثير الكلام ، ذكر ذلك العراقي في فتح المغيث وغيره .
ولكن إذا كان الجارح من ذوي العلم والنظر في أحوال الناس ، فالأرجح الاكتفاء بجرحه وإن لم يذكر سببا ؛ وعلى ذلك سار الأئمة في مؤلفاتهم غالبا .
ثم إذا تعارض الجرح والتعديل قدم المفسر منهما ، فإن كانا مبهمين فالصحيح تقديم الجرح، لأن الجارح اطَّلع على ما خفي على المعدل الذي إنما ينظر إلى الظاهر، وإن كانا مفسرين وكل منهما نفى ما أثبته الآخر، رجع إلى الترجيح لمن هو أتم معرفة واطلاعا على أحوال الرواة ، ونحو ذلك .